العثمانيّون في جيش ابن زياد

العثمانيّون في جيش ابن زياد
ثمّ إنّ في كلمات غير واحد من رجال جيش ابن زياد في يوم العاشر من المحرّم، الثناء البالغ والترحّم الصريح على عثمان بن عفّان، بل أعلن بعضهم بأنّه على «دين عثمان»!! بل إنّ بعضهم قد باهل على ذلك!!:
روى الطبري، عن عفيف بن زهير بن أبي الأخنس، قال: «وخرج يزيد بن معقل ـ من بني عميرة بن ربيعة، وهو حليفٌ لبني سليمة، من عبدالقيس ـ فقال: يا بُرير بن حضير! كيف ترى صُنع اللّه بك؟!
قال: صَنَعَ اللّهُ ـ واللّهِ ـ بي خيراً وصَنَعَ الله بك شرّاً.
قال: كذبتَ، وقبل اليوم ما كنت كذّاباً، هل تذكر ـ وأنا أُماشيك في بني لوذان ـ وأنت تقول: إنّ عثمان بن عفّان كان على نفسه مسرفاً، وإنّ معاوية بن أبي سفيان ضالٌّ مضلٌّ، وإنّ إمامَ الهدى والحقّ عليُّ بن أبي طالب؟!
فقال له برير: أشهد أنّ هذا رأيي وقولي.
فقال له يزيد بن معقل: فإنّي أشهد أنّك من الضالّين.
فقال له برير بن حضير: هل لك فلأُباهلك، ولندع اللّه أنْ يلعن الكاذب وأنْ يقتل المبطل، ثمّ اخرج فلأُبارزك.
قال: فخرجا، فرفعا أيديهما إلى اللّه يدعوانه أن يلعن الكاذب، وأن يقتل المحقُّ المبطلَ، ثمّ برز كلّ واحد منهما لصاحبه، فاختلفا ضربتين، فضرب يزيد بن معقل برير بن حضير ضربةً خفيفةً لم تضرّه شيئاً، وضربه برير بن حضير ضربةً قدّت المغفر وبلغت الدماغ، فخرّ كأنّما هوى من حالق، وإنّ سيف ابن حضير لثابت في رأسه، فكأنّي أنظر إليه ينضنضه من رأسه(1).
أقول:
وفي هذا الخبر فوائد لا تخفى، فإنّ بريراً كان يرى أنّ عثمان ومعاوية ضالاّن، وكان رأي معقل أنّهما على حقّ، وأنّ بريراً ضالٌّ، وقضيّة المباهلة وانتصار برير على عدوّه، ثمّ تصريح قاتل برير بأنّ أصحاب الحسين عليه السلام ليس دينهم دينه، فهو كان على دين ابن حرب ومطيع للخليفة يزيد!!
وروى الطبري: «إنّ نافع بن هلال كان يقاتل يومئذ وهو يقول:
أنا الجملي، أنا على دين علي
فخرج إليه رجل يقال له: مزاحم بن حريث، فقال: أنا على دين عثمان.
فقال له: أنت على دين شيطان.
ثمّ حمل عليه فقتله»(2).
وقد ذكر ابن الأثير الخبرَ فلم يذكر مقالة الرجل(3)!!
ثمّ انظر إلى كتاب ابن زياد إلى عمر بن سعد في أوّل الأمر: «أمّا بعد، فَحُلْ بين الحسين وأصحابه وبين الماء، ولا يذوقوا منه قطرة كما صُنع بالتقي الزكي المظلوم أمير المؤمنين عثمان بن عفّان»(4).
وإلى كلام عمرو بن سعيد الأشدق ـ الوالي على المدينة ـ : عن عبدالملك بن أبي الحارث السلمي، قال: «دخلت على عمرو بن سعيد فقال: ما وراءك؟
فقلت: ما سَرَّ الأمير، قتل الحسين بن عليّ.
فقال: نادِ بقتله.
فناديت بقتله، فلم أسمع واللّه واعيةً قطّ مثل واعية نساء بني هاشم في دورهنّ على الحسين.
فقال عمرو بن سعيد ـ وضحك ـ :
عجّتْ نساءُ بني زياد عجّةً *** كعجيجِ نسوتِنا غداةَ الأرنبِ
ثمّ قال عمرو: هذه واعيةٌ بواعيةِ عثمان بن عفّان»(5).

(1) تاريخ الطبري 3 / 322 ـ 323 حوادث سنة 61 هـ.
(2) تاريخ الطبري 3 / 324، وانظر: مقتل الحسين ـ للخوارزمي ـ 2 / 18.
(3) الكامل في التاريخ 3 / 426.
(4) تاريخ الطبري 3 / 311.
(5) تاريخ الطبري 3 / 341 ـ 342.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *