1 ـ كتاب يزيد إلى الوليد والي المدينة

قال ابن حجر الهيتمي المكّي، في كلام له عن يزيد: «قال أحمد بن حنبل بكفره، وناهيك به ورعاً وعلماً بأنّه لم يقل ذلك إلاّ لقضايا وقعت منه صريحة في ذلك ثبتت عنده…»(1).
نعم… وقعت منه قضايا ثابتة توجب الحكم بكفره…
لقد ثبت أمره بقتل الإمام السبط الشهيد عليه السلام، والأدلّة المثبتة لذلك كثيرة، سنذكرها بشيء من التفصيل، وسيرى القارئ خلال أخبار ذلك طرفاً من القضايا المثبتة لكفره…
وهذه بعض تلك الأدلّة على ضوء ما ورد في الكتب الأصليّة المعتمدة:

1 ـ كتاب يزيد إلى الوليد والي المدينة
فلقد جاء في غير واحد من التواريخ أنّ يزيد قد أمر الوليد ابن عتبة بن أبي سفيانوهو على المدينةبقتل الإمام إنْ هو لم يبايع:
* قال اليعقوبي، المتوفّى سنة 292: «وملك يزيد بن معاوية… وكان غائباً، فلمّا قدم دمشق كتب إلى الوليد بن عتبة ابن أبي سفيانوهو عامل المدينة ـ :
إذا أتاك كتابي هذا، فأحضر الحسين بن عليّ وعبداللّه بن الزبير، فخذهما بالبيعة لي، فإن امتنعا فاضرب أعناقهما وابعث إليَّ برؤوسهما، وخذ الناس بالبيعة، فمن امتنع فأنفذ فيه الحكم وفي الحسين بن عليّ وعبداللّه بن الزبير; والسلام»(2).
* وقال الطبري، المتوفّى سنة 310: «ولم يكن ليزيد همّة حين وليَ إلاّ بيعة النفر الّذين أبوا على معاوية الإجابة إلى بيعة يزيد، حين دعا الناس إلى بيعته وأنّه وليّ عهده بعده، والفراغ من أمرهم… فكتب إلى الوليد في صحيفة كأنّها أُذن فأرة:
أمّا بعد، فخذ حسيناً وعبداللّه بن عمر وعبداللّه بن الزبير بالبيعة أخذاً شديداً ليست فيه رخصة حتّى يبايعوا; والسلام»(3).
* وذكر ابن أعثم الكوفي، المتوفّى حدود سنة 314 نحوه.
* وكذا الخوارزمي، المتوفّى سنة 568.
* وذكر ابن الجوزي، المتوفّى سنة 597 مثله.
هذا ما نقله هؤلاء…
* لكنّ ابن سعد، المتوفّى سنة 230 يرويفي ترجمة الإمام عليه السلام من طبقاتهأنّه «لمّا حُضِرَ معاوية، دعا يزيد بن معاوية فأوصاه بما أوصاه به، وقال: أُنظر حسين ابن عليّ ابن فاطمة بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فإنّه أحبّ الناس إلى الناس، فصِل رحمه وارفق به، يصلح لك أمره، فإنْ يك منه شيء فإنّي أرجو أن يكفيكه اللّه بمن قتل أباه وخذل أخاه.
وتوفّي معاوية ليلة النصف من رجب سنة ستّين، وبايع الناس ليزيد، فكتب يزيدمع عبداللّه بن عمرو بن أُويس العامري، عامر بن لؤيإلى الوليد بن عتبة بن أبي سفيان وهو على المدينة، أنِ ادعُ الناس فبايعهم، وابدأ بوجوه قريش، وليكنْ أوّل من تبدأ به الحسين بن عليّ، فإنّ أمير المؤمنين عهد إليّ في أمره بالرفق به واستصلاحه»(4).
* والبلاذري، لم يرو نصّ الكتاب وإنّما قال: «كتب يزيد إلى عامله الوليد بن عتبة بن أبي سفيان في أخذ البيعة على الحسين وعبداللّه بن عمر وعبداللّه بن الزبير، فدافع الحسين بالبيعة، ثمّ شخصَ إلى مكّة»(5).
* وقال ابن عساكر، عن ابن سعد: «فكتب يزيدمع عبداللّه بن عمرو…أنِ ادعُ الناس; وذكر مثله.
* وكذا روى الحافظ أبو الحجّاج المزّي مثله.
* وقال ابن الأثير الجزري: «ولم يكن ليزيد همّة حين وليَ إلاّ بيعة النفر الّذين أبوا على معاوية الإجابة إلى بيعته، فكتب إلى الوليد يخبره بموت معاوية وكتاباً آخر صغيراً فيه:
أمّا بعد، فخذ حسيناً وعبداللّه بن عمر وابن الزبير بالبيعة أخذاً شديداً ليست فيه رخصة حتّى يبايعوا; والسلام»(6).
* وقال الذهبي: «قالوا: ولمّا حُضِرَ معاوية دعا يزيد فأوصاه، وقال: انظر حسيناً فإنّه أحبّ الناس إلى الناس، فصِل رحمه وارفق به، فإنْ يك منه شيء فسيكفيك اللّه بمن قتل أباه وخذل أخاه.
ومات معاوية في نصف رجب، وبايع الناس يزيد، فكتب إلى والي المدينة الوليد بن عتبة بن أبي سفيان، أنِ ادعُ الناس وبايعهم، وابدأ بالوجوه، وارفق بالحسين، فبعث إلى الحسين وابن الزبير في الليل ودعاهما إلى بيعة يزيد، فقالا: نصبح وننظر في ما يعمل الناس; ووثبا فخرجا.
وقد كان الوليد أغلظ للحسين، فشتمه حسين وأخذ بعمامته فنزعها، فقال الوليد: إنْ هجنا بهذا إلاّ أسداً; فقال له مروان أو غيره: أُقتله! قال: إنّ ذاك لدم مصون»(7).
فهؤلاء لا يروون لا القتل ولا استعمال الشدّة، بل بالعكس، ينقلون الرفق بالإمام…
* وأبو الفداء.. لا يروي شيئاً، لا القتل، ولا الشدّة، ولا الرفق… وإنّما جاء في تاريخه:
«أرسل إلى عامله بالمدينة بإلزام الحسين وعبداللّه بن الزبير وابن عمر بالبيعة»(8).
وفي رواية أُخرى لابن عساكر عمّن حمل كتاب يزيد إلى الوليد:
«فلمّا قرأ كتاب يزيد بوفاة معاوية واستخلافه، جزع من موت معاوية جزعاً شديداً، فجعل يقوم على رجليه ثمّ يرمي بنفسه على فراشه; ثمّ بعث إلى مروان، فجاء وعليه قميص أبيض وملاءة مورّدة، فنعى له معاوية وأخبره بما كتب إليه يزيد، فترحّم مروان على معاوية وقال: ابعث إلى هؤلاء الرهط الساعة، فادعهم إلى البيعة، فإنْ بايعوا وإلاّ فاضرب أعناقهم.
قال: سبحان اللّه! أقتل الحسين بن عليّ وابن الزبير؟!
قال: هو ما أقول لك»(9).
أقول:
فلماذا هذا الاختلاف والاضطراب في نقل كتاب يزيد إلى الوليد؟!
ثمّ إنّ يزيد بن معاوية عزل الوليد عن المدينة لمّا بلغه أنّ الإمام عليه السلام وابن الزبير غادراها ولم يبايعا…
قال ابن كثير: «عزل يزيد بن معاوية الوليد بن عتبة عن إمرة المدينة لتفريطه»(10).
وقال ابن خلدون: «لمّا بلغ الخبر إلى يزيدبصنيع الوليد ابن عتبة في أمر هؤلاء النفرعزله عن المدينة، واستعمل عليها عمرو بن سعيد الأشدق»(11).
وكيف كان… فالنقلفي نصِّ كتابه إلى الوليدمختلفٌ… والذي أظنّه أن صنيع الوليد مع الإمام عليه السلام كان ضمن الخطّة المرسومة من معاوية كما تقدّم سابقاً… نعم، قد فرّط الوليد في أمر ابن الزبير; واللّه العالم.

(1) المنح المكّيّةشرح القصيدة الهمزية ـ .
وقد ذكر ابن الجوزي وسبطه وابن حجر أنّ أحمد بن حنبل ذكر في حقّ يزيد ما يزيد على اللعنة; انظر: الردّ على المتعصّب العنيد: 13، تذكرة الخواصّ: 257، الصواعق المحرقة: 332333.
(2) تاريخ اليعقوبي 2 / 154.
(3) تاريخ الطبري 3 / 269.
(4) الطبقات الكبرى 6 / 423424 رقم 1374.
(5) أنساب الأشراف 3 / 368.
(6) الكامل في التاريخ 3 / 377 حوادث سنة 60 هـ ، وانظر: البداية والنهاية 8 / 118.
(7) سير أعلام النبلاء 3 / 295 رقم 48.
(8) المختصر في أخبار البشر 1 / 189.
(9) انظر: تاريخ دمشق 19 / 17 رقم 2253، مختصر تاريخ دمشق 9 / 38 رقم 10، تاريخ خليفة بن خيّاط: 177 حوادث سنة 60 هـ .
(10) البداية والنهاية 8 / 119 حوادث سنة 60 هـ .
(11) تاريخ ابن خلدون 3 / 25.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *