كتاب عمرو بالأمان

كتاب عمرو بالأمان
قالوا: ولمّا خرج الإمام عليه السلام من مكّة كتب عمرو بن سعيد مع أخيه يحيى في جند أرسلهم إليه: «إنّي أسأل اللّه أن يلهمك رشدك، وأن يصرفك عمّا يرديك، بلغني أنّك قد اعتزمت على الشخوص إلى العراق، فإنّي أُعيذك باللّه من الشقاق، فإنْ كنت خائفاً فأقبل إليَّ، فلك عندي الأمان والبرّ والصلة»(1).

أقول:
فهو لم يتعرّض للإمام بسوء، بل كتب إليه يعطيه الأمان ويعده البرّ والصلة والإحسان!!
ثمّ إنّ يحيى ومن معه حاولوا الحيلولة دون خروجه، وتدافع الفريقان، وبلغ ذلك عمرو بن سعيد، فأرسل إليهم يأمرهم بالانصراف(2).
ولكنّ عمرو بن سعيد الأشدق قد كتب في الحال إلى عبيداللّه بن زياد:
«أمّا بعد، فقد توجّه إليك الحسين، وفي مثلها تعتق أو تكون عبداً تسترقّ كما تسترقّ العبيد»(3).
أقول:
فانظر ما معنى ذلك؟!
هذا، وقد جاء في بعض التواريخ أنّه قد خرج من مكّة مع الإمام عليه السلام نحو العراق ستّون شيخاً من أهل الكوفة(4).
لكنْ مَن كان هؤلاء؟ وهل بقوا معه؟ وماذا كان مصيرهم؟
وكتب ابن عبّاس ليزيد: «وما أنسَ من الأشياء، فلستُ بناس اطّرادك الحسين بن عليّ من حرم رسول اللّه إلى حرم اللّه، ودسّك إليه الرجال تغتاله، فأشخصته من حرم اللّه إلى الكوفة»(5).
ثمّ إنّه عليه السلام ما زال يخبر من معه بمقتله، وإنّ من يبقى معه منهم فإنّهم سيقتلون.
* فتارةً يشبّه نفسه بيحيى بن زكريّا ويقول: «إنّ من هوان الدنيا على اللّه تعالى أنّ رأس يحيى بن زكريّا أُهدي إلى بغيّ من بغايا بني إسرائيل»(6).
* وأُخرى: يخبرهم عن رؤيا رآها، فقال: «قد رأيت هاتفاً يقول: أنتم تسيرون والمنايا تسير بكم إلى الجنّة; فقال له ابنه عليّ: يا أبة! أفلسنا على الحقّ؟! فقال: بلى يا بنيّ والذي إليه مرجع العباد. فقال له: يا أبة! إذن لا نبالي بالموت»(7).
ومرّةً أُخرى أخبرهم بذلك، «قالوا: وما ذاك يا أبا عبداللّه؟!… قال: رأيت كلاباً تنهشني، أشدّها علَيَّ كلب أبقع»(8).
* وثالثةً: لمّا اعتذر بعض الناس من نصرته قال: «… فإنّه من سمع واعيتنا، أو رأى سوادنا، فلم يُجب واعيتنا، كان حقّاً على اللّه أن يكبّه على منخريه في نار جهنّم»(9).
وجاء في كلام الإمام عند وصوله إلى كربلاء: «اللّهمّ إنّا عترة نبيّك محمّد صلواتك عليه وآله، قد أُخرجنا وأُزعجنا وطُردنا عن حرم جدّنا…»(10).
وقال عليه السلام: «ها هنا واللّه محطّ ركابنا وسفك دمائنا، ها هنا مخطّ قبورنا، وها هنا واللّه سبي حريمنا، بهذا حدّثني جدّي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم»(11).
***

(1) الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ 6 / 426 رقم 1374، تاريخ الطبري 3 / 297، الكامل في التاريخ 3 / 402، بغية الطلب 6 / 2610، تهذيب الكمال 4 / 491 رقم 1305، البداية والنهاية 8 / 131، مختصر تاريخ دمشق 7 / 141.
(2) انظر: أنساب الأشراف 3 / 375، الأخبار الطوال: 244، تاريخ الطبري 3 / 296، الكامل في التاريخ 3 / 401.
(3) الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ 6 / 429 رقم 1374، تاريخ دمشق 14 / 212 رقم 1566.
(4) تاريخ دمشق 14 / 212 رقم 1566.
(5) تاريخ اليعقوبي 2 / 163.
(6) الملهوف على قتلى الطفوف: 102.
(7) الملهوف على قتلى الطفوف: 131 ـ 132.
(8) كامل الزيارات: 75 ب 23 ح 14.
(9) انظر: رجال الكشّي 1 / 331 رقم 181 ترجمة عمرو بن قيس المشرقي.
(10) مقتل الحسين ـ للخوارزمي ـ 1 / 337 ف 11.
(11) الملهوف على قتلى الطفوف: 139، الأخبار الطوال: 253.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *