5 ـ السفر إلى الحجاز و الخديعة

5 ـ السفر إلى الحجاز و الخديعة
ثمّ إنّه قد اضطرّ معاوية إلى السفر إلى الحجاز، فاجتمع بالأربعة الّذين كاتبهم، وتحدّث معهم، ولم يسفر ذلك عن نتيجة… فخرج في يوم من الأيّام ودخل المسجد ومعه رجاله من أهل الشام ويبلغون الألف، ونودي له في الناس فاجتمعوا إليه، والإمام الحسين عليه السلام، وعبدالرحمن وابن الزبير وابن عمر جالسون عند المنبر، فخطب وقال:
«أيّها الناس! إنّا وجدنا أحاديث الناس ذات عوار، وإنّهم قد زعموا أنّ الحسين بن عليّ، وعبدالرحمن بن أبي بكر، وعبداللّه بن عمر، وعبداللّه بن الزبير، لم يبايعوا يزيد; وهؤلاء الرهط الأربعة هم عندي سادة المسلمين وخيارهم، وقد دعوتهم إلى البيعة فوجدتهم إذاً سامعين مطيعين، وقد سلّموا وبايعوا، وسمعوا وأجابوا وأطاعوا.
فضرب أهل الشام بأيديهم إلى سيوفهم فسلّوها ثمّ قالوا:
يا أمير المؤمنين! ما هذا الذي تعظّمه من أمر هؤلاء الأربعة؟! إئذن لنا أن نضرب أعناقهم، فإنّا لا نرضى أن يبايعوا سرّاً، ولكنْ يبايعوا جهراً حتّى يسمع الناس أجمعون.
فقال معاوية: سبحان اللّه! ما أسرع الناس بالشرّ، وما أحلى بقاءهم عندهم، اتّقوا اللّه يا أهل الشام ولا تسرعوا إلى الفتنة، فإنّ القتل له مطالبة وقصاص، فإنّهم قد بايعوا وسلّموا، وارتضوني فرضيت عنهم.
فلمّا سئل الإمام عليه السلام عن ذلك قال: «لا واللّه ما بايعنا، ولكنّ معاوية خادعنا وكادنا…»(1).
وروى الطبراني بسنده عن محمّد بن سيرين، قال: «لمّا بايع معاوية ليزيد حجَّ، فمرّ بالمدينة فخطب الناس، فقال: إنّا قد بايعنا يزيد فبايعوا.
فقام الحسين بن عليّ فقال: أنا ـ واللّه ـ أحقّ بها منه، فإنّ أبي خير من أبيه، وجدّي خير من جدّه، وإن أُمّي خير من أُمّه، وأنا خير منه.
فقال معاوية: أمّا ما ذكرت أنّ أنّ جدّك خير من جدّه، فصدقت، رسول اللّه خير من أبي سفيان بن حرب، وأمّا ما ذكرت أنّ أُمّك خير من أُمّه، فصدقت، فاطمة بنت رسول اللّه خير من بنت مجدل، وأمّا ما ذكرت أنّ أباك خير من أبيه، فقد قارع أبوه أباك فقضى اللّه لأبيه على أبيك، وأمّا ما ذكرت أنّك خير منه، فلهو أربّ منك وأعقل، ما يسرّني به مثلك ألف»(2).
أقول:
فيه شهادة للقول بأنّ معاوية وبني أُميّة هم الأصل في مقالة الجبر…
ثمّ انظر كيف يزعم ـ بقلّة حياء ـ أفضليّة يزيد على الإمام الحسين عليه السلام!!
***

(1) انظر: الفتوح ـ لابن أعثم ـ 4 / 347 ـ 348، الإمامة والسياسة 1 / 213، العقد الفريد 3 / 360، المنتظم 4 / 104 ـ 105، البداية والنهاية 8 / 64 ـ 65 حوادث سنة 56 هـ ، تاريخ الخلفاء: 236.
(2) المعجم الكبير 19 / 356 ح 833، وانظر: مجمع الزوائد 5 / 198.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *