المقدمة

الحمد للّه ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على سيدنا ونبيّنا محمّد وآله الطاهرين، ولعنة اللّه على أعدائهم أجمعين من الأولين والآخرين.
وبعد:
فإن أكثر الحوادث في تاريخ الإسلام بالنظر إلى أقوال النّبي صلّى اللّه عليه وآله وأفعاله وتصرّفات الصّحابة فيها، ذات أهميّة بالغة وآثار كبيرة في العقيدة والشريعة، أمّا ما يصدر من النّبي صلّى اللّه وآله، فهو حجّةٌ كما هو واضح، وأمّا ما يرد في القضية عن الصّحابة، فيعكس إلينا مدى طاعتهم للّه ورسوله، ويترتّب على ذلك صحّة القول بعدالتهم وعدم صحّته، ليجوز الاعتماد والاستناد إليهم أو لا يجوز.
وقد وضعنا هذه الرسالة لدراسة حادثة بين الإمام علي وخالد بن الوليد وجماعة معه، قال فيها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله كلاماً في
حق علي أمير المؤمنين، وجاء فيها ما يكشف عن جانب من نفسيّات خالد بن الوليد.
وخالدٌ له مواقف مهمّة قبل إسلامه وبعد إسلامه.
أمّا قبل أنْ يُسلم، فموقفه من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله في واقعة اُحد، ودوره في استشهاد سيّدنا حمزة بن عبدالمطلب رضي اللّه تعالى عنه.
وأمّا بعد أن أسلم، فما أحدثهُ في بني جذيمة، إذ قتل منهم خلقاً ـ وهم مسلمون ـ على سنّة الجاهليّة، فأرسل النبيّ عليّاً إليهم فوداهم واسترضاهم، وإلاّ وجب الاقتصاص منه، وقد اشتهر قول النبي في هذه القضيّة: «اللهم إني أبرأ إليك ممّا صنع خالد».
وأمّا بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله، فأشهر مواقفه قتله مالك بن نويرة وقومه، ودخوله على زوجته من ليلته، حتّى طالب أعلام الصّحابة برجمه ثم القصاص، وهي قضية معروفة.
وكان من قضايا صدر الإسلام: أنّ النّبي أرسل خالداً في السنة التاسعة من الهجرة على رأس جيش إلى اليمن، وأرسل علياً أمير المؤمنين على جيش آخر، وقال: إذا التقيتما فعليُّ على الجيشين.
وكان أمير المؤمنين قد ذهب إلى اليمن بأمر من رسول اللّه أكثر من مرّة، والظاهر أن هذه هي المرة الأخيرة… .
وقد جاء في نصوص خبر هذا البعث: أنّ خالداً كان يبغض عليّاً عليه السّلام!! وكذلك كان «بريدة بن الحصيب» وجماعة، ولذا خرج مع خالد إلى اليمن ولم يخرج مع علي.
وتفيد أخبار القصّة: أنّ خالداً ومن كان على رأيه رأوا من الإمام علي ما يمكن ـ بزعمهم ـ أن يتّخذ ذريعةً للطعن فيه، فكتب خالد بذلك كتاباً إلى رسول اللّه، وتعاقد أربعة من أصحابه على أنْ يوصلوا الكتاب ويتكلّموا عنده صلّى اللّه عليه وآله في علي، وكان «بريدة» أحد الأربعة، فلمّا قرأ النبي الكتاب واستمع إلى أقوالهم، خاطب «بريدة» قائلاً:
«أنافقت من بعدي يا بريدة؟»
ثم قال:
«ما تريدون من علي؟
ما تريدون من علي؟
ما تريدون من علي؟
علي منّي وأنا من علي وهو وليّكم من بعدي».
وورد في الأخبار أنه قال لهم:
«إنّ عليّاً لا يفعل إلاّ ما يؤمر به».
ونحن في هذا الكتاب، نذكر الخبر بأصحّ أسانيده عن أشهر مصادره، ونبيّن مداليله ونشرح مفاهيمه، واللّه وليّ التوفيق.
علي الحسيني الميلاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *