3 ـ أين يعيش؟

3 ـ أين يعيش؟
وهذا من جملة الأسألة في مسألة الإمام وغيبته.
ولكنْ، أين يعيش الخضر؟ وأين يعيش غير الخضر من يعتقد المسلمون ببقائه في هذا العالم بحسب الروايات؟
وقد ورد في بعض كتبنا أن للامام عليه السلام مكاناً يسمّى بالجزيرة الخضراء، وظاهر كلام جماعة من أكابر علمائنا التصديق بالخبر، واللّه العالم.
وأمّا ما يهرّج به ابن تيميّة في كلامه المذكور سابقاً ويشنّع علينا من أنّا نعتقد بكون الامام عليه اسلام غائباً في السّرداب بمدينة سامرّاء… وكذا ابن خلدون المغربي إذ يقول:
«يزعمون أن الثاني عشر من أئمتهم ـ وهو محمّد بن الحسن العسكري ويلقبونه بالمهدي ـ دخل في سرداب بدارهم بالحلّة وتغيب حين اعتقل مع امه وغاب هناك، وهو يخرج آخر الزمان فيملأ الأرض عدلاً، يشيرون بذلك إلى الحديث الواقع في كتاب الترمذي في المهدي، وهم إلى الآن ينتظرونه ويسمونه المنتظر لذلك، ويقفون في كلّ ليلة بعد صلاة المغرب بباب هذا السرداب وقد قدموا مركباً فيهتفون باسمه ويدعونه للخروج حتى تشتبك النجوم ثم ينفضون ويرجئون الأمر إلى الليلة الآتية، وهم على ذلك لهذا العهد…»(1).
فمن الأكاذيب والإفتراءات على هذه الطائفة المظلومة، حتى لقد نظم بعض النواصب في الموضوع قصيدةً استهلّها بقوله:
أما آن للسرداب أن يلد الذي… .
وليتهم ذكروا حديثاً أو قولاً لأحد علماء الطائفة يؤيّدون به شيئاً من تلك المزاعم والتهم!
لكنّ أعلام الطائفة ـ قديماً وحديثاً ـ ينفون تلك النسب النفي القاطع، وإليك بعض كلماتهم:
قال الشيخ الإربلي: «والذين يقولون بوجوده، لا يقولون إنه في سرداب، بل يقولون إنه موجود يحلّ ويرتحل ويطوف في الأرض…»(2).
وقال الشيخ النوري الطبرسي: «نحن كلّما راجعنا وتفحّصنا، لم نجد لما ذكروه أثراً، بل ليس في الأحاديث ذكر للسرداب أصلاً»(3).
وقال السيّد الصّدر: «وأما بعض ما يقوله في هذا الباب بعض عوام الشيعة ونسبه إلينا كثير من خواص أهل السنة، فلا أعرف له مدركاً ولم أجد له مستنداً»(4).
وقال الشيخ الأميني:
«وفرية السرداب أشنع وإن سبقه إليها غيره من مؤلفي أهل السنة لكنه زاد في الطمور نغمات، بضم الحمير إلى الخيول وادعائه اطراد العادة في كلّ ليلة واتصالها منذ أكثر من ألف عام. والشيعة لا ترى أن غيبة الامام في السرداب ولا هم غيبوه فيه ولا أنه يظهر منه، وإنما اعتقادهم المدعوم بأحاديثهم أنه يظهر بمكة المعظمة تجاه البيت، ولم يقل أحد في السرداب: إنه مغيب ذلك النور، وإنما هو سرداب دار الأئمة بسامراء، وإن من المطرد إيجاد السراديب في الدور وقاية من قايظ الحرّ، وإنما اكتسب هذا السرداب بخصوصه الشرف الباذخ لانتسابه إلى أئمة الدين وأنه كان مبوأً لثلاثة منهم كبقية مساكن هذه الدار المباركة، وهذا هو الشأن في بيوت الأئمة عليهم السلام ومشرفهم النبي الأعظم في أي حاضرة كانت، فقد أذن اللّه أن ترفع ويذكر فيها اسمه.
وليت هؤلاء المتقوّلين في أمر السرداب اتفقوا على رأي واحد في الاُكذوبة حتى لا تلوح عليها لوائح الافتعال فتفضحهم، فلا يقول ابن بطوطة في رحلته 2 ص 198: إن هذا السرداب المنوّه به في الحلة، ولا يقول القرماني في أخبار الدول: إنه في بغداد، ولا يقول الآخرون: إنه بسامراء. ويأتي القصيمي من بعدهم فلا يدري أين هو، ليطلق لفظ السرداب ليستر سوأته… فعلم أنه لا دليل لما ذكر السويدي وغيره، ولا مستند لهم في هذه النسبة لا في حديث من الأحاديث، ولا في كلام لواحد من العلماء، وناهيك بهؤلاء النافين أئمة نياقد، وأعلاماً محيطين بالأخبار والآثار»(5).
قلت:
بل الأمر بالعكس، فقد أرسل كثير من علماء أهل السنّة هذا الأمر إرسال المسلّم كقاضي القضاة ابن خلّكان(6) والحافظ الكنجي، وجعل يدافع عن ذلك ويؤكّده ببعض الشواهد(7).
هذا، ولا ينافي ما تقدّم عن علمائنا احترامنا للسّرداب الموجود بمدينة سامراء بجوار مرقد الإمامين العسكريّين، فهو بقعة متبرّكة يقصدها المؤمنون لكونه مسكن أهل البيت الطاهرين عليهم السلام.

(1) مقدمة ابن خلدون: 352.
(2) كشف الغمة في معرفة الأئمة 3 / 283.
(3) كشف الأستار عن وجه الامام الغائب عن الأبصار: 212.
(4) المهدي: 155.
(5) الغدير في الكتاب والسنّة والأدب 3 / 308.
(6) وفيات الأعيان 1 / 372.
(7) البيان في أخبار صاحب الزمان ـ ط مع كفاية الطالب ـ .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *