النّظر في مناقشة سند روايات الحاكم

النّظر في مناقشة سند روايات الحاكم:
وثالثاً: يقول «الدكتور» وهو يقصد مناقشة سند ما أخرجه الحاكم بعد أن قال بأنه ذكر روايتين:
«إحداهما: في إسنادها الامام أحمد بن حنبل. وسيأتي أنّه هو نفسه ضعّف الحديث كما ذكر ابن تيمية. والأخرى بيّن الذهبي وهي إسنادها».

أقول:
هنا أيضاً خيانة أو جهل!!
أمّا أوّلا:
فلأنّ إحداهما ـ وهو الذي عن الأعمش عن حبيب عن زيد ـ قد أخرجه الحاكم بثلاثة طرق.
وأمّا ثانياً:
فلأن أحمد بن حنبل في إسناد طريق واحد من الطرق الثلاثة دون الطريقين الآخرين!!
وإن كنت في ريب فهذه عبارة الحاكم:
«حدثنا أبو الحسين محمد بن أحمد بن تميم الحنظلي ببغداد، ثنا أبو قلابة عبد الملك بن محمد الرقاشي، ثنا يحيى بن حماد.
وحدثني أبو بكر محمد بن أحمد بن بالويه وأبو بكر أحمد بن جعفر البزار، قالا: ثنا عبداللّه بن أحمد بن حنبل، حدثني أبي، ثنا يحيى بن حماد.
وثنا أحمد بن سهل الفقيه ببخارى، ثنا صالح بن محمد الحافظ البغدادي، ثنا خلف بن سالم المخرمي، ثنا يحيى بن حماد.
ثنا أبو عوانة عن سليمان الأعمش قال: ثنا حبيب بن أبي ثابت عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم ـ رضي اللّه عنه ـ قال: لمّا رجع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم من حجّة الوداع ونزل غدير خم أمر بدوحات فقممن فقال: كأني قد دعيت فأجبت، إني قد تركت فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر، كتاب اللّه تعالى وعترتي. فانظروا كيف تخلفوني فيهما، فإنهما لن يتفرقا حتى يردا عليَّ الحوض. ثم قال: إن اللّه عزوجلّ مولاي وأنا مولى كلّ مؤمن. ثم أخذ بيد علي ـ رضي اللّه عنه ـ فقال: من كنت مولاه فهذا وليّه، اللهم وال ممن والاه وعاد من عاداه. وذكر الحديث بطوله. هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بطوله».
ووافقه الحافظ الذهبي في تلخيصه على تصحيحه(1).
وأمّا ثالثاً:
فلأنَّ أحمد بن حنبل لم يضعّف الحديث!
يقول «الدكتور»: «وسيأتي أنّه هو نفسه ضعّف الحديث كما ذكر ابن تيميّة» مشيراً إلى قوله في الصفحة ـ 25 ـ نقلا عن منهاج السنة 4 / 105:
«وشيخ الإسلام ابن تيميّة رفض هذا الحديث وقال: وقد سئل عنه أحمد ابن حنبل فضعّفه، وضعّفه غير واحد من أهل العلم وقالوا: لا يصح».
لكنّا قد ذكرنا كلام ابن تيميّة في فصل (حديث الثقلين والمحاولات السقيمة) وتكلّمنا عليه.
وأمّا رابعاً:
فلأنّ أحمد ـ لو كان منه تضعيف ـ فقد ضعّف جملة: «وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض» هذه الجملة التي وردت في رواية الترمذي. فأحمد ليس مضعّفاً للحديث، كما أن ابن تيمية أيضاً ليس برافض للحديث… وقد أوردنا سابقاً كلام ابن تيمية وما نسبه إلى أحمد، وتكلّمنا عليه هناك، فراجع.
وأمّا خامساً:
فلأنَّ الذّهبي ـ الذي اعتمد عليه «الدكتور» في غير موضع، وفي مناقشته الرواية الثانية وستعلم ما فيها من النظر ـ وافق الحاكم في تصحيح هذه الرواية على شرط الشيخين… ولو كان هناك من أحمد أو غيره من الأئمة كلام في إسناد هذه الرواية لأشار إليه، كما فعل بالنسبة إلى الرواية الثانية.
وأمّا سادساً:
فلأنّ الذهبي أخرج الرواية الثانية بقوله: «حسّان بن إبراهيم الكرماني، ثنا محمد بن سلمة بن كهيل، عن أبيه عن الطفيل عامر بن واثلة أنّه سمع زيد بن أرقم…» فلم يقل إلاّ: «لم يخرجا لمحمد وقد وهّاه السّعدي».
فالذهبي لم يطعن في رجال الإسناد وإنّما قال بعد رواية الحديث: «قلت: لم يخرجا لمحمّد، وقد وهّاه السعدي» وهذا غير صريح في أنه يطعن في «محمّد بن سلمة» ومن المستبعد أن يقلّد الذهبي السّعديَّ الجوزجاني وقد أورده في (ميزان الاعتدال) فقال نقلا عن ابن عدي: «كان شديد الميل إلى مذهب أهل دمشق في التحامل على علي رضي اللّه عنه»(2).
وقال ابن حجر: «وممن ينبغي أن يتوقّف في قبول قوله في الجرح: من كان بينه وبين من جرحه عداوة سببها الاختلاف في الإعتقاد، فإن الحاذق إذا تأمّل ثلب أبي إسحاق الجوزجاني لأهل الكوفة رأى العجب، وذلك لشدّة انحرافه في النصف وشهرة أهلها بالتشيّع…»(3).
وقد تقدّم كلام ابن حجر في مقدمة فتح الباري حول الرجل. وإن شئت المزيد فراجع ترجمته(4).
وأمّا سابعاً:
فلأنّ الرواية الثالثة ـ التي أخفاها «الدكتور» أو جهل بها ـ قال الحاكم: «هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه» ووافقه الذهبي بصراحة… وقد تقدم نصّها سابقاً.
والرواية الرابعة ـ التي أخفاها «الدكتور» أو جهل بها كذلك ـ صحيحة عندهما، وقد تقدم نصّها قريباً.

(1) المستدرك 3 / 109.
(2) ميزان الاعتدال في نقد الرجال 1 / 76.
(3) لسان الميزان 1 / 16.
(4) تهذيب التهذيب 1 / 158.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *