مسألة طول العمر

مسألة طول العمر
وأمّا قوله: «ثمّ إنّ عمر واحد من المسلمين هذه المدّة أمر يعرف كذبه بالعادة المطّردة في أُمّة محمّد، فلا يعرف أحد ولد في دين الاسلام وعاش مائة وعشرين سنة، فضلاً عن هذا العمر . . .».
أقول:
إنّ اللّه عزّ وجلّ قادر على أن يبقي الإنسان ـ أي انسان شاء ـ بأيّ مقدار شاء، وخوارق العادات في العالم بإذنه وارادته كثيرة لا تحصى . . . وهذا لا يختص بأُمّة دون أُمّة، ومن الذي يمكنه أن يستقرئ أحوال من ولد في الإسلام من الأولين والآخرين حتى يدّعي أن لا يعرف أحد ولد في دين الإسلام وعاش مائة وعشرين سنة، حتّى يحكم بخروجه عن هذا الدين إذا وجده، وهل هذا معنى ما رووه عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ـ وصحّحوه ـ أنّه قال: «عمر امّتي من ستّين إلى سبعين»؟
وعلى الجملة، فإنّ العمر بيد اللّه، فإن كانت المصلحة في بقاء الانسان مدّة مديدةً أبقاه وإلاّ أماته متى اقتضت، ولا فرق بين هذه الأُمّة وغيرها، نعم كان الغالب في الأُمم السالفة طول العمر ـ ومنهم يموت في شبابه ـ والغالب في هذه الأُمّة عدم البلوغ إلى المائة، ومنهم من يبقى ويعمّر أكثر من المائة بكثير، وتلك أخبار المعمّرين في الكتب مسطورة، حتى أفردها بعضهم فألّف كتاب (المعمّرون والوصايا).
هذا، وقد تكلّم غير واحد من أعلام أهل السنة في مسألة طول عمر المهدي واعترض على الإمامية، ومنهم من نفى وجود الإمام المهدي من هذا الطريق، وانبرى أصحابنا للجواب عن هذه الشبهة بوجوه كافية وأدلّة وافية، فلاحظ الكتب المفصلة.
وأمّا قوله: «واحتجاجهم بحياة الخضر احتجاج باطل على باطل، فمن الذي يسلّم لهم بقاء الخضر، والذي عليه سائر العلماء المحقّقون أنّه مات، وبتقدير بقائه فليس هو من هذه الأُمّة».
أقول:
الإحتجاج ببقاء الخضر ان هو إلاّ احتجاج بمورد من الموارد التي اقتضت الحكمة الالهية بقاء شخص من الأشخاص في هذا العالم، وقد قدّمنا أنّ هذا لا يختص بأُمّة دون أُمّة، إذ المناط القدرة الإلهية والحكمة المقتضية لذلك، أمّا القدرة فلا ينكرها مسلم مؤمن، وأمّا الحكمة فاللّه العالم بها . . . والخضر واحدٌ من بني آدم شاء اللّه عزّ وجلّ أن يبقى القرون الكثيرة حتى زمن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم)، حيث روى غير واحد من الأئمّة حديث وروده دار النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد وفاته للتعزية، فإنّه ممّا يفيد أنّه حيّ موجود كما صرّح بعض الحفاظ(1).
بل لقد عنونه الحافظ ابن حجر في (الإصابة في معرفة الصحابة) قال: «ولم أر من ذكره فيهم من القدماء مع ذهاب الأكثر إلى الأخذ بما ورد من أخباره من تعميره وبقائه» فتكلّم عن نسبه ونبوّته وبقائه على نحو التّفصيل جدّاً، وعبارته المذكورة صريحة في ذهاب الأكثر إلى بقائه، وبهذا نصّ كثيرون من الأئمّة ـ كما نقل عنهم ـ كالحسن البصري والثعلبي والنووي وأبي عمرو ابن الصّلاح وأبي عبد الرحمن السلمي واليافعي وغيرهم، ولهم في ذلك أخبار وحكايات أفردها بعضهم ـ كعبد المغيث بن زهير الحنبلي ـ بالتأليف، قال النووي في (تهذيبه): «قال الأكثرون من العلماء: هو حي موجود بين أظهرنا وذلك متّفق عليه عند الصّوفية وأهل الصلاح والمعرفة، وحكايتهم في رؤيته والاجتماع به والأخذ عنه وسؤاله وجوابه، ووجوده في المواضع الشريفة ومواطن الخير، أكثر من أن تحصى وأشهر من أن تذكر». وقال أبو عمرو ابن الصّلاح في (فتاويه): «هو حي عند جماهير العلماء والصالحين والعامة منهم. قال: وإنّما شذّ بإنكاره بعض المحدّثين». وقال الحافظ ابن حجر ـ في آخر البحث ـ: «قلت: وذكر لي الحافظ أبو الفضل العراقي شيخنا: أنّ الشيخ عبد اللّه بن أسعد اليافعي كان يعتقد أن الخضرحي. قال: فذكرت له ما نقل عن البخاري والحربي وغيرهما من إنكار ذلك، فغضب وقال: من يدّعي أنّه مات غضبت عليه. قال: فقلنا: رجعنا من اعتقاد موته. انتهى. وأدركنا بعض من كان يدّعي أنّه يجتمع بالخضر، منهم القاضي علم الدين البساطي الذي ولي قضاء المالكية في زمن الظاهر برقوق، واللّه تعالى أعلم وبغيبه أحكم».
هذا، ومثل الخضر في البقاء في هذا العالم: إلياس، فعن محمّد بن جرير الطبري: إنّ الخضر وإلياس باقيان يسيران في الأرض(2). أمّا بقاء عيسى (عليه السلام) فمن الضروريّات.
كما تواتر الخبر في بقاء الدّجال.
وأمّا قوله: ردّاً على العلاّمة طاب ثراه في استدلاله بما رواه ابن الجوزي: «فيقال: الجواب عن وجوه: . . .».

(1) المرقاة في شرح المشكاة 5 / 504.
(2) البيان في أخبار صاحب الزمان ط مع كفاية الطالب في مناقب علي بن أبي طالب: 522 ـ ولا يخفى أنّ ابن جرير الطبري ممّن يعتمد عليه ابن تيميّة في التواريخ والأنساب وفي التفسير.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *