الإمام المهدي عليه السلام

الإمام المهدي عليه السلام

(وولده الإمام المهدي عليه السلام محمّد …)
قال ابن تيميّة: «قد ذكر محمّد بن جرير الطبري وعبد الباقي ابن قانع وغيرهما من أهل العلم بالأنساب والتواريخ: إنّ الحسن بن علي العسكري لم يكن له نسل ولا عقب. والإماميّة الذين يزعمون أنّه كان له ولد يدّعون أنّه دخل السّرداب بسامراء وهو صغير، منهم من قال: عمره سنتان، ومنهم من قال: ثلاث، ومنهم من قال: خمس سنين.
وهذا لو كان موجوداً معلوماً لكان الواجب في حكم اللّه الثابت بنص القرآن والسنّة والاجماع أن يكون محضوناً عند من يحضنه في بدنه، كأُمّه وامّ امّه ونحوهما من أهل الحضانة، وأن يكون ماله عند من يحفظ… .
ثمّ إنّ هذا باتّفاق منهم، سواء قدّر وجوده أو عدمه لا ينتفعون به . . . هذا المنتظر لم يحصل لطائفة إلاّ الإنتظار لمن لا يأتي ودوام الحسرة والألم ومعاداة العالَم… .
ثمّ إنّ عمر واحد من المسلمين هذه المدّة أمر يعرف كذبه بالعادة المطّردة في أُمة محمّد، فلا يعرف أحد ولد في دين الإسلام وعاش مائة وعشرين سنة، فضلاً عن هذا العمر، وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال في آخر عمره: أرأيتكم ليلتكم هذه فإنّه على رأس مائة سنة منها لا يبقى على وجه الأرض ممّن هو اليوم عليها أحد… .
ثمّ أعمار هذه الأُمّة ما بين الستين إلى السبعين، وأقلّهم من يجوز ذلك، كما ثبت ذلك في الحديث الصحيح.
واحتجاجهم بحياة الخضر احتجاج باطل على باطل، فمن الذي يسلّم لهم بقاء الخضر، والذي عليه سائر العلماء المحقّقون أنّه مات، وبتقدير بقائه فليس هو من هذه الأُمّة… .
وقوله: روى ابن الجوزي . . . فيقال: الجواب من وجوه:
أحدها: إنّكم لا تحتجّون بأحاديث أهل السنّة، فمثل هذا الحديث لا يفيدكم فائدة. وإن قلتم: هو حجة على أهل السنّة. فنذكر كلامهم فيه.
الثاني: إنّ هذا من أخبار الآحاد، فكيف يثبت به الأصل الذي لا يصح الإيمان إلاّ به.
الثالث: إنّ لفظ الحديث حجّة عليكم لا لكم، فإنّ لفظه: يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي. فالمهدي الذي أخبر به النبي صلّى اللّه عليه وسلّم اسمه: محمّد بن عبد اللّه. لا محمّد بن الحسن. وقد روي عن علي أنّه قال: هو من ولد الحسن بن علي لا من ولد الحسين.
وأحاديث المهدي معروفة، رواها الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وغيرهم، كحديث عبد اللّه بن مسعود عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال: لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم لطوّل اللّه ذلك اليوم حتى يبعث فيه رجلاً من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً.
الوجه الرابع: إنّ الحديث الذي ذكره وقوله: اسمه كاسمي وكنيته كنيتي. ولم يقل: يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي. فلم يروه أحد من أهل العلم بالحديث في كتب الحديث المعروفة بهذا اللفظ. فهذا الرافضي لم يذكر الحديث بلفظه المعروف في كتب الحديث، مثل مسند أحمد، وسنن أبي داود، والترمذي، وغير ذلك من الكتب، وإنّما ذكره بلفظ مكذوب لم يروه أحد منهم.
وقوله: إنّ ابن الجوزي رواه بإسناده. إن أراد العالم المشهور صاحب المصنفات الكثيرة أبا الفرج، فهو كذبٌ عليه، وإن أراد سبطه يوسف بن قزأوغلي، صاحب التاريخ المسمّى بمرآة الزمان، وصاحب الكتاب المصنف في الاثني عشر الذي سمّاه إعلام الخواص، فهذا الرجل يذكر في مصنّفاته أنواعاً من الغثّ والسّمين، ويحتجُّ في أغراضه بأحاديث كثيرة ضعيفة وموضوعة، وكان يصنّف بحسب مقاصد الناس، يصنّف للشيعة ما يناسبهم ليعوّضوه بذلك، ويصنّف على مذهب أبي حنيفة لبعض الملوك لينال بذلك أغراضه، فكانت طريقته طريقة الواعظ الذي قيل له: ما مذهبك؟ قال: في أيّ مدينة؟ ولهذا يوجد في بعض كتبه ثلب الخلفاء الراشدين وغيرهم من الصحابة ـ رضوان اللّه عليهم ـ لأجل مداهنة من قصد بذلك من الشيعة، ويوجد في بعضها تعظيم الخلفاء الراشدين وغيرهم.
ولهذا لما كان الحديث المعروف عند السلف والخلف أن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قال في المهدي: يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي، صار يطمع كثير من الناس في أن يكون هو المهدي، حتى سمّى المنصور ابنه محمّداً ولقّبه بالمهدي مواطاةً لاسمه باسمه واسم أبيه باسم أبيه، ولكن لم يكن هو الموعود به. وأبو عبد اللّه محمّد بن التومرت . . . وهذا الملقب بالمهدي ظهر سنة بضع وخمسمائة، وتوفّي سنة أربع وعشرين وخمسمائة . . . وقد ادّعى قبله أنّه المهدي: عبيد اللّه بن ميمون القدّاح . . . هو وأهل بيته كانوا ملاحدة، وهم أئمّة الإسماعيليّة . . . وقد ظهر سنة تسع وتسعين ومائتين، وتوفي سنة أربع وعشرين وثلاثمائة. وانتقل الأمر إلى ولده . . . وانقرض ملك هؤلاء في الدّيار المصرية سنة ثمان وستين وخمسمائة، فملكوها أكثر من مائتي سنة، وأخبارهم عند العلماء مشهورة بالإلحاد والمحادّة للّه ورسوله والردّة والنفاق.
والحديث الذي فيه: لا مهدي إلاّ عيسى بن مريم. رواه ابن ماجة، وهو حديث ضعيف . . .».
أقول:
هذا كلام الرجل في هذا المقام، وما صدر منه ـ في كتابه، حول الإمام المهدي ـ ممّا يخالف أدب أهل الدين ودأب المحصّلين والمناظرين كثير . . . كقوله:
«ومن حماقتهم أيضاً أنّهم يجعلون للمنتظر عدّة مشاهد ينتظرونه فيها كالسّرداب الذي بسامرّاء الذي يزعمون أنّه غاب فيه، ومشاهد أُخر، وقد يقيمون هناك دابّةً ـ إمّا بغلةً وإمّا فرساً وإمّا غير ذلك ـ ليركبها إذا خرج، ويقيمون هناك إمّا في طرفي النهار وإمّا في أوقات أُخر من يناداي عليه بالخروج: يا مولانا أُخرج، يا مولانا أُخرج، ويشهرون السلاح ولا أحد هناك يقاتلهم، وفيهم من يقوم في أوقات الصلاة دائماً لا يصلّي خشية أن يخرج وهو في الصلاة فيشتغل بها عن خروجه وخدمته، وهم في أماكن بعيدة عن مشهده، كمدينة النبي صلّى اللّه عليه وسلّم، إمّا في العشر الأواخر من رمضان وإمّا في غير ذلك، يتوجّهون إلى المشرق وينادونه بأصوات عالية يطلبون خروجه.
ومن المعلوم أنّه لو كان موجوداً وقد أمره اللّه بالخروج، فإنّه يخرج سواء نادوه أو لم ينادوه، وإن لم يأذن له فهو لا يقبل منهم، وأنّه إذا خرج فإنّ اللّه يؤيّده ويأتيه بما يركبه وبمن يعينه وينصره، لا يحتاج إلى أن يوقف له دائماً من الآدميين من ضلّ سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنّهم يحسنون صنعاً.
واللّه سبحانه قد عاب في كتابه من يدعو من لا يستجيب له دعاءه فقال تعالى: (ذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِير * إن تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِير).
هذا، مع أنّ الأصنام موجودة وكان يوم فيها أحياناً شياطين تتراءى لهم وتخاطبهم. ومن خاطب معدوماً كانت حالته أسوأ من حال من خاطب موجوداً وإن كان جماداً.
فمن دعا المنتظر الذي لم يخلقه اللّه كان ضلاله أعظم من ضلال هؤلاء . . .»(1).
أقول:
وما تكلّم به حول الإمام المهدي المنتظر (عليه السلام) من هذا النّسق، وما نسبه إلى الإماميّة من هذا القبيل . . . كثير، وإنّما أوردنا هذه الفقرة من كلماته في الباب ليظهر طرف من أكاذيبه وافتراءاته على هذه الطائفة وإمامها، وليعلم أنّ الرّجل لا يزعه عن الكذب والبهتان دين ولا عقل.
إلاّ أنّ من الضّروري البحث بإيجاز عن العقيدة الصحيحة حول الإمام المهدي، المستندة إلى الأدلّة المقبولة لدى المسلمين، ليحيى من حيّ عن بيّنة، ويهلك من هلك عن بيّنة، واللّه هو المستعان.
وهذا البحث يكون في فصول:

(1) منهاج السنّة 1 / 44 ـ 49.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *