الردّ على الأقوال الأُخرى

الردّ على الأقوال الأُخرى:
وفي مقابله أقوال:
أحدها: إنّ المراد من (الْقُرْبَى) القرابة التي بينه صلّى الله عليه وآله وسلّم وبين قريش «فقال: إلاّ أن تصِلوا ما بيني وبينكم من القرابة».
والثاني: إنّ المراد من (الْقُرْبَى) هو القرب والتقرّب إلى الله، أي: إلاّ أن تودّوا إلى الله في ما يقرّبكم إليه من التودّد إليه بالعمل الصالح.
والثالث: إنّ المراد من (الْقُرْبَى) هو «الأقرباء» ولكن لا أقرباء النبيّ مطلقاً، بل المعنى: إلاّ أن تودّوا قرابتكم وتصِلوا أرحامكم.
والرابع: إنّ الآية منسوخة بقوله تعالى: (قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْر فَهُوَ لَكُمْ)(1).
أقول:
أمّا القول الأخير فقد ردّه الكلّ، حتّى نصَّ بعضهم على قبحه، وقد بيّنّا أن لا منافاة بين الآيتين أصلا، بل إحداهما مؤكّدة لمعنى الأُخرى.
وأمّا الذي قبله، فلا ينبغي أن يُذكر في الأقاويل، لأنّه قول بلا دليل، ولذا لم يعبأ به أهل التفسير والتأويل.
وأمّا القول بأنّ المراد هو «التقرّب» فقد حكي عن الحسن البصري(2) وظاهر العيني اختياره له(3). واستدل له في «فتح الباري» بما أخرجه أحمد من طريق مجاهد عن ابن عبّاس أيضاً: إنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «قل لا أسألكم عليه أجراً على ما جئتكم به من البيّنات والهدى إلاّ أن تقرّبوا إلى الله بطاعته».
لكن قال ابن حجر: «وفي إسناده ضعف»(4).
وهو مردود أيضاً بأنّه خلاف المتبادر من الآية، وأنّ النصوص على خلافه… وهو خلاف الذوق السليم.
وأمّا القول الأوّل من هذه الأقوال، فهو الذي اقتصر عليه ابن تيميّة فلم يذكر غيره، واختاره ابن حجر، ورجّحه الشوكاني… والدليل عليه ما أخرجه أحمد والشيخان وغيرهم عن طاووس عن سعيد بن جبير عن ابن عبّاس، وقد تقدّم في أوّل أخبار المسألة.
ويقع الكلام على هذا الخبر في جهتين:

(1) سورة سبأ 34: 47.
(2) تفسير الرازي 27/165، فتح الباري 8/458 وغيرهما.
(3) عمدة القاري 19/157.
(4) فتح الباري بشرح صحيح البخاري 8/458.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *