إلتزام الإمامية بالجدل بالتي هي أحسن

إلتزام الإمامية بالجدل بالتي هي أحسن:
ومن ذلك احتجاجهم على القائلين بإمامة أبي بكر بما يصدّقونه ويعتقدون به من الأدلّة والحجج، واستنادهم إلى كتب القوم وأقوال علمائهم كما هي القاعدة الأصلية في المناظرة..
ففي الاستدلال بحديث غدير خمّ على إمامة عليٍّ عليه السّلام..
يقول الشيعي:
قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم: «ألستُ أَولى بالمؤمنين من أنفسهم؟! قالوا: بلى.
قال: فمن كنت مولاه فعليٌّ مولاه، اللّهمّ والِ مَن والاه، وعادِ مَن عاداه…».
فإذا قال بعض أهل السُنّة: هذا كذب(1)، لم يقله رسول اللّه!
قال الشيعي: أخرجه فلان وفلان… من أعلام أهل السنّة(2).
وإذا قال الخصم: وأين كان عليٌّ في ذلك اليوم؟! كان باليمن…(3).
اضطرّ الشيعي لأن يقول: روى قدومه من اليمن: فلان وفلان… من أهل السُنّة(4).
فإن عاد فقال: صدر الحديث: «ألستُ أَولى…» لا أصل له(5).
قال الشيعي: رواية فلان وفلان… من أهل السُنّة…(6).
فإن أنكر مجيء «المولى» بمعنى «الأَولى»(7).
أخرج له الشيعي قائمة بأسماء كبار اللغويّين من أهل السُنّة القائلين بمجيء «المولى» بمعنى «الأَولى»(8).
ويستدلّ الشيعي بقول رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم:
«أنا مدينة العلم وعليٌّ بابها، فمن أراد المدينة فليأتها من بابها».
ويعترض بعض أهل السُنّة بأنّه كذبٌ على رسول اللّه(9).
فيجيب الشيعي: أخرجه فلان وفلان…(10) وصحّحه فلان وفلان…(11) من أهل السُنّة.
فيرجع الخصم ليقول: فأبو بكر و… أبواب كذلك!(12).
لكنّ الشيعي يثبت له ـ وعلى ضوء كتب أهل السُنّة ـ جهل أبي بكر وصاحبَيه بأبسط المسائل الدينية، حتّى عرّفهم بها المغيرة بن شعبة وأمثاله من جهلة الصحابة!(13).
فيلتجىء بعضهم إلى أن يقول: ليس «عليٌّ» في الحديث علماً، بل هو وصف للباب، أي: مرتفع!(14).
فاستهجن منه ذلك غير واحد من علماء طائفته وسخر منه آخرون(15)..
? ويستدلّ الشيعة بالحديث في قصّة الطير:
فقد أُتي النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم بطير ليأكله، فقال:
«اللّهمّ ائتني بأحبّ خلقك إليك وإلى رسولك يأكل معي من هذا الطير».
فجاء عليٌّ فأكل معه.
فاضطراب كلام أعلام الخصوم في مقام الجواب عن هذا الاستدلال:
فزعم أحدهم بأنّ هذا كذبٌ موضوعٌ!(16).
لكن قد أخرجه فلان وفلان.. من الأئمّة الكبار.. من أهل السُنّة.. وله أسانيد كثيرة، رجالها ثقات، بتوثيق من فلان وفلان… من علماء الجرح والتعديل، من أهل السُنّة(17)..
فجعلوا يتشبّثون ـ في ردّ هذا الحديث الصحيح سنداً، والصريح في أفضلية عليٍّ أميرالمؤمنين عليه السّلام ـ باحتملات باردة، وبتعلّلات سخيفة… .
لعلّ الدعاء كان لكراهة الأكل وحده!
ولعلّ عليّاً كان الأحبّ إلى اللّه والرسول في الأكل فقط!
ولعلّ المراد من قوله: «اللّهمّ ائتني بأحبّ الخلق…» هو: اللّهمّ اثتني بمن هو من أحبّ الخلق…!
وهكذا… .
وأخيراً:
لعلّ أبا بكر وعمر لم يكونا حاضرين حينذاك في المدينة المنوّرة!!

(1) كابن تيميّة في منهاج السُنّة 7 / 313 ـ 314.
(2) انظر مثلا: سنن ابن ماجة 1 / 43 ح 116، سنن الترمذي 5 / 591 ح 3713، السننن الكبرى ـ للنسائي ـ 5 / 107 ح 8397، مسند أحمد 1 / 84 ومواضع عديدة أُخرى، مصنّف ابن أبي شيبة 7 / 494 ح 2 ومواضع عديدة أُخرى، التاريخ الكبير ـ للبخاري ـ 1 / 375 رقم 1191، السنّة ـ لابن أبي عاصم ـ : 590 ـ 593 ح 1354 ـ 1376 بطرق عديدة، زوائد عبداللّه بن أحمد بن حنبل: 413 ـ 419 ح 197 ـ 201، الذرّية الظطاهرة: 168 ح 228، مسند البزّار 2 / 133 ح 492 ومواضع عديدة أُخرى، مسند أبي يعلى 1 / 428 ح 567، صحيح ابن حبّان 9 / 42 ح 6892، المعجم الكبير 3 / 180 ح 3052 ومواضع عديدة أُخرى، المعجم الأوسط 2 / 10 ح 1115 ومواضع عديدة أُخرى.
(3) كالإيجي في المواقف: 405.
(4) انظر ذلك في: صحيح مسلم 4 / 40، سنن أبي داود 2 / 191 ح 1905، سنن النسائي 5 / 144، سنن ابن ماجة 2 / 1024 ح 3074، مسند أحمد 3 / 320، سنن الدارمي 2 / 34 ح 1851.
(5) كالتفتازاني في شرح المقاصد 5 / 274.
(6) انظر صدر الحديث في: سنن ابن ماجة 1 / 43 ح 116، مسند أحمد 1 / 118 ومواضع أُخرى، مصنّف ابن أبي شيبة 7 / 503 ح 55 وموضع آخر، السُنّة ـ لابن أبي عاصم ـ : 591 ح 1361 وموضع آخر، مسند البزّار 2 / 133 ح 492 وموضع آخر، مسند أبي يعلى 1 / 429 ح 567، ومواضع عديدة من معاجم الطيراني الثلاثة.
(7) كالباقلاني في تمهيد الأوائل: 451، والآمدي في غاية المرام في علم الكلام: 378، والدهلوي في التحفة الاثنا عشرية: 208.
(8) هو المحكيّ عن الكلبي والزجّاج والفرّاء وأبي عبيدة كما في تفسير الفخر الرازي 29 / 228، وانظر كذلك: صحيح البخاري 6 / 259، تنوير المقباس من تفسير ابن عبّاس: 577.
(9) كابن الجوزي في الموضوعات 1 / 354، وابن تيميّة في الفتاوى الكبرى 3 / 27.
(10) أخرجه يحيى بن معين في معرفة الرجال 1 / 79 رقم 231 وج 2 / 242 رقم 831 و832، وأحمد بن حنبل في فضائل الصحابة 2 / 789 ح 1081 بلفظ: «أنا دار الحكمة وعليٌّ بابها»، والترمذي في السنن 5 / 596 ح 3723 كما في الفضائل، والطبراني في المعجم الكبير 11 / 55 ح 11061، الحاكم في المستدرك على الصحيحين 3 / 137 ـ 138 ح 4637 ـ 4639، وأبو نعيم في حلية الأولياء 1 / 64، وابن عبدالبرّ في الاستيعاب 3 / 1102 والخطيب في تاريخ بغداد 4 / 348 وج 7 / 173 وج 11 / 48 ـ 49، وابن المغازلي في مناقب الإمام عليّ عليه السّلام: 115 ـ 120 ح 120 ـ 129، والديلمي في فردوس الأخبار 1 / 42 ح 109، والبغوي في مصابيح السُنّة 4 / 174 ح 4772، وابن عساكر في تاريخ دمشق 42 / 378 ـ 382.
(11) وقد صحّحه على سبيل المثال: يحيى بن معين كما في كنز العمّال 13 / 148 ح 36464، وابن جرير الطبري في «تهذيب الآثار» كما في فتح الملك العلي: 33، والحاكم النيسابوري والخطيب البغدادي كما تقدّم في الهامش السابق، والحافظ أبو محمّد الحسن بن أحمد السمرقندي في «بحر الأسانيد في صحاح المسانيد» كما في فتح الملك العلي: 5، والسيوطي في «جمع الجوامع» كما في فتح الملك العلي: 33، والمتّقي الهندي في كنز العمّال 13 / 149، وأحمد بن محمّد بن الصدّيق الغماري في «فتح الملك العلي بصحّة حديث باب مدينة العلم علي».
(12) مؤدّى ذلك في حديث «أصحابي كالنجوم…» ورواية الديلمي في فردوس الأخبار 1 / 42 ح 108: «أنا مدينة العلم، وأبو بكر أساسها، عمر حيطانها، وعثمان سقفها…».
(13) كمسألة الكلالة، والأبّ، والتيمّم، والمواريث، ومهور النساء; وللتفصيل راجع الأجزاء 6 ـ 8 من موسوعة «الغدير» للعلاّمة الأميني قدس سرّه.
(14) ذهبت الخوارج ومن قال بقولهم إلى هذا المقال; انظر: زين الفتى في شرح سورة هل أتى 1 / 163 ح 62.
(15) كابن حجر المكّي في المنح المكّية ـ شرح القصيدة الهمزية، والمناوي في فيض القدير ـ شرح الجامع الصغير 3 / 60 ح 2704، وغيرهما.
(16) منهاج السُنّة 7 / 371.
(17) انظر مثلا: سنن الترمذي 5 / 595 ح 3721، السنن الكبرى ـ للنسائي ـ 5 / 107 ح 8398، مسند أبي يعلى 7 / 105 ح 1297، المعجم الكبير 1 / 253 ح 730، المعجم الأوسط 6 / 418 ح 6561، المستدرك على الصحيحين 3 / 142 ح 132، مجمع الزوائد 9 / 126.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *