12 ـ رأي أميرالمؤمنين في القضيّة

12 ـ رأي أميرالمؤمنين في القضيّة
وبعد أن لاحظنا متون الأخبار ومداليلها، ووجدنا التعارض والتكاذب فيما بينها، بحيث لا طريق صحيح للجمع بينها بعد كون القضيّة واحدة واستخلصنا أنّ صلاة أبي بكر في مرض النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم لم تكن بأمر منه قطعاً فلنرجع إلى مولانا أميرالمؤمنين عليه السّلام، لنرى رأيهُ في أصل القضيّة فيكون شاهداً على ما استنتجناه، ولنرى أيضاً أنّ صلاة أبي بكر بأمر من كانت؟؟
لقد حكى ابن أبي الحديد المعتزلي عن شيخه أبي يعقوب يوسف بن إسماعيل اللمعاني حول ما كان بين أميرالمؤمنين وعائشة، جاء فيه:
« فلمّا ثقل رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في مرضه، أنفذ جيش أُسامة وجعل فيه أبابكر وغيره من أعلام المهاجرين والأنصار، فكان عليٌّ عليه السّلام حينئذ بوصوله إلى الأمر ـ إن حدث برسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم حدث ـ أوثق، وتغلّب على ظنّه أنّ المدينة ـ لو مات ـ لخلت من منازع ينازعه الأمر بالكليّة، فيأخذه صفواً عفواً، وتتمّ له البيعة فلا يتهيّأ فسخها لو رام ضدٌّ منازعته عليها. فكان من عود أبي بكر من جيش أُسامة ـ بإرسالها إليه وإعلامه بأنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يموت ـ ما كان، ومن حديث الصلاة بالناس ما عرف.
فنسب عليٌّ عليه السلام إلى عائشة أنّها أمرت بلالا ـ مولى أبيها ـ أن يأمره فليصلّ بالناس، لأنّ رسول الله كما روي قال: « ليصلّ بهم أحدهم » ولم يعيّن، وكانت صلاة الصبح، فخرج رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وهو في آخر رمق يتهادى بين عليّ والفضل بن العبّاس، حتّى قام في المحراب ـ كما ورد في الخبر ـ ثمّ دخل فمات ارتفاع الضحى، فجعل يوم صلاته حجّةً في صرف الأمر إليه وقال: أيّكم يطيب نفساً أن يتقدّم قدمين قدّمهما رسول الله في الصلاة؟! ولم يحملوا خروج رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم إلى الصلاة لصرفه عنها، بل لمحافظته على الصلاة مهما أمكن.
فبويع على هذه النكتة التي اتهمها عليٌّ عليه السلام على أنّها ابتدأت منها.
وكان عليٌّ عليه السّلام يذكر هذا لأصحابه في خلواته كثيراً ويقول: إنّه لم يقل صلّى الله عليه وآله وسلّم إنّكنّ لصويحبات يوسف إلاّ إنكاراً لهذه الحال وغضباً منها، لأنّها وحفصة تبادرتا إلى تعيين أبويهما، وإنّه استدركها بخروجه وصرفه عن المحراب، فلم يُجد ذلك ولا أثّر، مع قوّة الداعي الذي كان يدعو إلى أبي بكر ويمهّد له قاعدة الأمر، وتقرّر حاله في نفوس الناس ومن اتّبعه على ذلك من أعيان المهاجرين والأنصار.
فقلت له رحمه الله: أفتقول أنت إنّ عائشة عيّنت أباها للصلاة ورسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لم يعيّنه؟!
فقال: أمّا أنا فلا أقول ذلك، ولكنّ عليّاً كان يقوله، وتكليفي غير تكليفه، كان حاضراً ولم أكن حاضراً »(1).

(1) شرح نهج البلاغة 9/196 ـ 198.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *