فوائد في الحديث و كلمات العلماء

فوائد في الحديث و كلمات العلماء:
وهنا فوائد لا بأس بالتعرّض لها:
الأُولى:
روى ابن عبدربه القرطبي المالكي ـ المتوفّى سنة 328 ـ خبراً طويلا في احتجاج المأمون العبّاسي على أربعين فقيهاً في مسألة المفاضلة، وكان من جملة ما احتجّ به المأمون عليهم نزول سورة (هل أتى) في أميرالمؤمنين عليه السّلام، وذلك أنّه قال من كان يخاطبه منهم ـ وهو الراوي للخبر ـ:
« يا إسحاق! هل تقرأ القرآن؟!
قلت: نعم.
قال: إقرأ علَيَّ (هَلْ أَتَى عَلَى الاِْنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً).
فقرأت منها حتّى بلغت: (يَشْرَبُونَ مِن كَأْس كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً) إلى قوله: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً).
قال: على رسلك، في من أُنزلت هذه الآيات؟
قلت: في عليّ.
قال: فهل بلغك أنّ عليّاً حين أطعم المسكين واليتيم والأسير قال: إنّما نطعمكم لوجه الله؟! وهل سمعت الله وصف في كتابه أحداً بمثل ما وصف به عليّاً؟
قلت: لا.
قال: صدقت، لأنّ الله جلّ ثناؤه عرف سيرته.
يا إسحاق! ألست تشهد أنّ العشرة في الجنّة؟!
قلت: بلى يا أميرالمؤمنين.
قال: أرأيت لو أنّ رجلا قال: والله ما أدري هذا الحديث صحيح أم لا؟ ولا أدري إن كان رسول الله قاله أم لم يقله؟ أكان عندك كافراً؟!
قلت: أعوذ بالله.
قال: أرأيت لو أنّه قال: ما أدري هذه السورة من كتاب الله أم لا؟كان كافراً؟
قلت: نعم.
قال: يا إسحاق! أرى بينهما فرقاً »(1).
الثانية:
أثبت غير واحد من أكابر الحفّاظ ـ بالاستناد إلى هذا الحديث ـ وجود « فضّة » خادمة أهل البيت، فذكروها في كتبهم في « السحابة » كما سيأتي.
الثالثة:
قال سبط ابن الجوزي ـ بعد رواية الحديث ـ:
« فإن قيل: فقد أخرج هذا الحديث جدّك في (الموضوعات) وقال: أخبرنا به ابن ناصر…
ثمّ قال جدّك: قد نزّه الله ذينك الفصيحين عن هذا الشعر الركيك، ونزّهمهما عن منع الطفلين عن أكل الطعام. وفي إسناده الأصبغ بن نباتة متروك الحديث.
والجواب: أمّا قوله: (قد نزّه الله ذينك الفصيحين عن هذا الشعر الركيك) فهذا على عادة العرب في الرجز كقول القائل: والله لو لا الله ما اهتدينا، ونحو ذلك، وقد تمثّل به النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم.
وأمّا قوله عن الأصبغ بن نباتة، فنحن ما رويناه عن الأصبغ، ولا له ذكر في إسناد حديثنا، وإنّما أخذوا على الأصبغ زيادة زادوها في الحديث، وهي أنّ رسول الله قال في آخره: اللّهمّ أنزل على آل محمّد كما أنزلت على مريم بنت عمران. فإذا جفنة تفور مملوءةً ثريداً مكلّلةً بالجواهر. وذكر ألفاظاً من هذا الجنس.
والعجب من قول جدّي وإنكاره، وقد قال في كتاب (المنتخب): يا علمآء الشرع! أعلمتم لِمَ آثرا وتركا الطفلين عليهما أثر الجوع؟! أتراهما خفي عليهما خبر: ابدأ بمن تعول؟! ما ذاك إلاّ لأنّهما علما قوّة صبر الطفلين، وأنّهما غصنان من شجرة الظلّ عند ربّي، وبعضٌ من جملة: فاطمة بضعة منّي. وفرخ البطّ سابح »(2).
الرابعة:
ذكر غير واحد من العلماء: أنّ السؤال كانوا ملائكة من عند ربّ العالمين، أراد بذلك امتحان أهل البيت(3).
وبهذا وسابقه أيضاً تسقط شبهة بعض النواصب بأنّ الإفاق وتجويع النفس إلى هذا الحدّ غير جائز. كما سيأتي.
الخامسة:
قال غير واحد: إن الله تعالى ذكر في هذه السورة جميع ما يتعلّق بنعيم الجنّة ولذّاتها إلاّ الحور، وما ذلك إلاّ غيرةً على الزهراء عليها السلام، واحتراماً لها(4).

(1) العقد الفريد 5/59.
(2) تذكره خواصّ الأُمة: 315 ـ 316.
(3) تفسير النيسابوري ـ بهامش تفسير الطبري 29/112، كفاية الطالب: 348 عن الحافظ أبي عمرو ابن الصلاح وغيره.
(4) تذكرة خواصّ الأُمّة: 316، روح المعاني 29/157.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *